نعيش في عصر توليد القيمة بسرعة لم يمكن تصورها سابقاً، ورمز هذا العصر هو اليونيكورن، الكائن الأسطوري، أي شركة ترتفع قيمتها المقدرة بسرعة إلى مليار دولار أو أكثر. وبينما يتساءل العلماء «هل هذه عبارة عن فقاعة؟» يهتم رجال الأعمال بدراسة السؤال الحيوي: «ما هو سر هذا النمو السريع للمشاريع الرائدة؟» كما يبين المخطط البياني فيما يلي، يتزايد عدد رواد الأعمال الذين يكتشفون سر اختصار الوقت (أو الوصول السريع) اللازم لتصل الشركة إلى مليار.
ظهرت تسمية «يونيكورن» أول مرة في المقالة التاريخية للرأسمالية المغامرة أيلين لي الصادرة في ديسمبر 2013، وبعدها انتشر هذا التعبير في أرجاء عالم المشاريع الرائدة. عندما يتحادث المستثمرون مع ممثلي المؤسسات الشابة الجديدة، تحضر هذه الدابة السحرية اللقاءات في الخفاء كالشبح الذي يشعر الجميع به لكنهم يتجنبون ذكره، فالمستثمرون المحتملون يتساءلون باستمرار ما إذا كان المؤسسون الجالسون أمامهم وهم يرتدون رداءات مقلنسة يستطيعون خلق يونيكورن. وهذه ليست مجرد أوهام. المنتجات الفريدة أمثال Slack تنطلق إلى الأعلى من الصفر مؤكدة الأساطير عن الكائنات السحرية.
ولكن رغم كل هذا الولع بصيد اليونيكورن، قلة هم من يحاولون تحليل كيفية تحول الشركات إلى اليونيكورن ولماذا تنمو بهذه السرعة. في كتابنا الأخير قام مايك ميلون ويوري فان غيست وأنا (وفريقنا البحثي برئاسة ميخيل شورمان) درسنا هذه المسائل وطورنا دليلاً مختصراً لخلق اليونيكورن.
فكرتنا الأساسية هي أن شركات اليونيكورن ابتدعت طريقة جديدة تماماً للتوسع في بنية المنظمة، وسمينا مثل هذه المؤسسات بالمؤسسات الأسية.
تعلمت الصناعة خلال العقدين الآخرين التوسع في التكنولوجيات، وصار المشروع الرائد قادراً على الانتقال من مئة مستخدم إلى مليون دونما مصاعب. أما الإجابة عن السؤال حول كيفية التوسع في بنية المؤسسة نفسها فليس بديهياً: حتى الآن كانت هذه العملية دائماً معقدة وخطية وتدريجية. صدر كتابنا الذي يحمل – لأسباب مفهومة – عنوان «المؤسسات الأسية» (Exponential Organizations) في أكتوبر 2014 وحصل على جائزة «كتاب السنة» من Frost & Sullivan GIL. وقد بدأت الأسبوع الماضي في هولندا مبيعات أول نسخة مترجمة.
درسنا هذه الظاهرة ثلاث سنوات واكتشفنا عشرات المشاريع الرائدة التي يمكن تسميتها بالمؤسسات الأسية. القياس الأساسي الذي طورناه هو أن قابلية التوسع في المؤسسات الأسية أعلى بعشر مرات على الأقل من المؤسسات الأخرى في المجال نفسه. مثلاً، تحتاج شركة نموذجية لإنتاج سلع استهلاكية مثل Johnson & Johnson أو Proctor & Gamble إلى 300 يوماً لاجتياز السبيل من الفكرة حتى السلعة على رفوف سوبرماركت Walmart. أما شركة Quirky، وهي من الممثلين المميزين للمؤسسات الأسية، فلا تحتاج لذلك سوى إلى 29 يوماً، وهذا في مجال الإنتاج التقليدي وليس في العالم الجديد للإنترنت والبرمجيات المجانية والشبكات الاجتماعية وألعاب الكمبيوتر.
قمنا خلال دراستنا بتقييم عدد كبير من المؤسسات، وننشر اليوم قائمتنا من 100 مؤسسة أسية في كل أنحاء العالم. وتورد أسماء الشركات في آخر هذا النص.
لننظر إلى طريقتنا في تقييم الشركة. أنشأنا استبياناً تشخيصياً يسمح بحساب قابلية الشركة الأساسية للتوسع، ونسميها «المعامل الأسي». أنجز فريقنا العمل بمساعدة مجموعة من 160 خبيراً في الشركات الأسية في 45 بلداً من بلاد العالم. فحصنا المشاريع الرائدة الناجحة التي أنشئت بعد سنة 2005 وعدداً من المؤسسات الكبرى، ثم أجرينا التقييم وفق الاستبيان، وأعطينا وزناً أكبر للخبراء الذين يعرفون الشركة جيداً (مثلاً، أنا عملت في Yahoo، إذن...). ثم أضفنا المعلومات المتممة (الموقع وعدد العاملين ومجال العمل، إلخ.).
ما هي المؤسسة الأسية؟
تحتل GitHub الصدارة في قائمتنا وقد حصلت على علامة 76 من العلامة الكاملة 84. من وجهة نظر مراقب خارجي، يوجد لدى GitHub غاية كبرى تغير العالم (Massive Transformative Purpose، أو MTP) تسميها «الترميز الاجتماعي»؛ تقوم الشركة بتوسيع حجم مجتمعها وتطبيق خوارزميات جديدة بكثافة واجتذاب الموارد الخارجية الإضافية، بما في ذلك الموارد البشرية، عند الضرورة. وتستخدم داخل المؤسسة طريقة الأهداف والنتائج الأساسية (OKR)، وتجري الشركة تجارب باستمرار وتخاطر وتتألف من فرق مستقلة تتواصل بين بعضها بواسطة أدوات العمل المشترك. ويظهر في الدراسة ما هي العناصر التي نختبرها.
أمامكم العشرة الأوائل:
1. GitHub
2. Airbnb
3. Uber
4. Indiegogo
5. Google
6. Pinterest
7. Kaggle
8. Tumblr
9. Quirky
10. Shapeways
وجدنا تقاطعاً ملموساً بين مجموعتي المؤسسات الأسية واليونيكورن، فبين أول مئة مؤسسة أسية يوجد 35 مؤسسة يونيكورن وفق قائمة أيلين لي أو Fortune. وها هنا تحليلات أخرى:
تشكل الشركات التي يعمل فيها من 11 إلى 500 عامل 65٪ من مئتنا الأولى، ولم تدخل أي شركة أصغر حجماً في القائمة.
لا يتجاوز عمر أغلب المؤسسات الأسية اليوم العشر سنوات، وهذا يعني أن أغلبها لا يزال مشاريع رائدة لم تتحول إلى شركات بعد؛ وهذا يعني أيضاً أن الشركات الرائدة يسهل عليها تطبيق تلك الخصائص التي تتميز بها مؤسسة أسية، وأن هذا الغرار جديد.
القطاعات الخمسة العليا تشغلها الشبكات الاجتماعية أو المدونات أو برامج الرسائل السريعة، والتجارة الإلكترونية، وقطاع الأموال، وقطاع تكنولوجيا المعلومات والتقانات السحابية، والألعاب وصناعة الترفيه، وآخرها في القائمة البحث عن القوى العاملة.
إنشاء اليونيكورن أو المؤسسة الأسية
إذا كنت مؤسساً لشركة، فبلا شك ستطرح السؤال التالي: «كيف يمكن تحقيق هذا؟» لقد طورنا مخططاً من 10 خطوات بناء على نتائج دراستنا يسمح ببناء مؤسسة ذات كامن توسع عال:
1. حدد غاية كبرى تغير العالم (MTP). مثلاً، غاية Google هي «تنظيم كل المعلومات الموجودة في العالم» وغاية Quirky هي «جعل الاختراعات متاحة». جميع المؤسسات الأسية التي وجدناها يوجد لديها مثل هذه الغاية.
2. حدد أو أنشئ مجتمعاً يناسب غايتك. مثال جيد مجتمع كريس أندرسون DIY Drones الذي يهتم بكيفية بناء طيارات بلا طيار بيدك، ويبلغ عدد أعضائه 50 ألفاً. في أكثر الشركات تطوراً يكون المجتمع هو القوة المحركة الرئيسية لكل شيء عدا الغاية.
3. اجمع فريقاً من المؤسسين (التكوين المثالي 4 أشخاص). نوصي بشخص «حالم» لديه رؤية للمستقبل وخبير في تجربة المستخدم ومعلم في الهندسة واختصاصي في الأعمال والشؤون المالية.
4. اختر فكرة ابتكارية تضمن تحسين الوضع الراهن 10 أضعاف على الأقل. لاحظ أننا لا نبدأ من الفكرة القاعدية، وبالتالي لا تبقى مقيداً بقرار معين ويمكنك الاختيار من نطاق واسع من المسائل.
5. قم ببناء مخطط نموذج الأعمال (ادرس مفهوم «المشروع الرائد النحيل»). هذه العملية البسيطة تنشئ 9 عناصر يجب دراستها في نموذج الأعمال (بما فيه الشراكات وقنوات السوق والعرض الفريد، إلخ.).
6. طور نموذج الأعمال الخاص بك، أي افهم كيف تريد كسب المال. يطبق الكثير من المشاريع الرائدة اليوم نماذج أعمال جديدة وتنافس بنجاح تلك الشركات التي تعمل وفق مخططات قديمة (مثال ممتاز هو Netflix).
7. أنشئ منتجاً ذا عيوشية قصوى (أي MVP، وهنا مرة أخرى نستشهد بمفهوم «المشروع الرائد النحيل»). ما هي الوظيفية الدنيا التي تسمح لك بالخروج إلى السوق والحصول على تلقيم راجع من المستخدمين؟ لاحظ أن الإصدارة الأولى للكثير من المنتجات الناجحة الموجودة في الإنترنت (مثل Twitter وFoursquare وFacebook) كانت إصدارة خام ذات تصميم معيب ووسائل ضعيفة للتفاعل مع المستخدم؛ ولكن حالما ظهرت التعليقات الأولى من المستخدمين أطلقت الشركات عملية التحسينات المتكررة فوراً فحققت النجاح.
8. تحقق من قنوات التسويق والمبيعات. قضت Groupon سنة ونصف في مدينة واحدة لتحل مشاكل التسويق والمبيعات، وبعد ذلك كررت النتائج بسرعة في عشرات المدن.
9. نظِّم العملية بحيث تنجز الوظائف الحاسمة للمؤسسة خارج التنظيم المركزي. مثلاً، في Uber يتم اختيار السائق للراكب خارج البنية الأساسية.
10. حاول أن تتحول إلى منصة. إن المؤسسات الأسية الناجحة (Apple، Google، Amazon) هي منصات. الشركات التي لم تستطع تحقيق هذا النموذج (Yahoo، Blackberry، Nokia) وضعها صعب.
الطريق إلى اليونيكورن
مهما كان المصطلح الذي تستخدمه، المؤسسات الأسية أو اليونيكورن، من الواضح أنها طريقة جديدة للأعمال. انبثق من دراستنا استنتاج اقتصادي في غاية الأهمية حول هذا الجيل من الشركات. عند إدارة الأعمال تفكر باستمرار في ثمن إنشاء الطلب وثمن توزيع المنتج لتحسين كافة أطراف هذه المعادلة. سمح الإنترنت للشركات لأول مرة في التاريخ بخفض أسي لتكلفة إنشاء الطلب عن طريق التسويق عبر الإنترنت والتسويق بالإحالة. وفي الواقع، متى دخلت في حلقة الانتشار الفيروسي يهبط ثمن اكتساب عملاء جدد إلى الصفر تقريباً (كما حدث مع WhatsApp).
لأول مرة في التاريخ تنشئ اليونيكورنات أو المؤسسات الأسية إمكانيات جديدة للتوسع بإخراج المهام الأساسية خارج نواة الشركة، وتخفض بذلك أسياً تكلفة التوزيع. إن تكلفة إضافة تكسي جديد إلى قاعدة Uber منخفضة جداً. تستطيع Airbnb إضافة غرفة إلى قاعدة بياناتها مجاناً عملياً، أما Hyatt فيكلفها ذلك بناء فندق جديد! مستخدمو Yelp يبنون المنتج بأنفسهم عملياً عندما يكتبون مراجعاتهم. نفقات Google على استعلام بحث تساوي الصفر عملياً. استطاعت شركة Waze أن تجمع ما يقارب 100 مليون مستخدم بنشر الرسالة من شخص إلى آخر، ويستخدمون الآن مواقعهم باستخدام GPS من أجل التنبؤ الدقيق بحركة المرور في الطرقات. عندما تصبح مستخدم Waze لا يقتصر دورك على كونك مستهلكاً بل تصبح أحد منشئي المنتج. عند الهبوط الأسي لثمن المنتج تصعد قيمته السوقية بسرعة (بلغة الرياضيات، أنت تزيل المقام من الصيغة).
ولذلك، إن كنت تريد أن تصبح يونيكورناً عليك بالتوسع في بنية المؤسسة خارج الفريق الرئيسي وإيجاد طريقة لخفض تكلفة توزيع المنتج.
اليونيكورن العجوز يمكن أن يتعلم حيلاً جديدة
مع أن غالبية اليونيكورنات أو المؤسسات الأسية لا تعمر طويلاً، لا شيء يمنع الشركات الكبيرة الموجودة من استخدام نفس المخطط. نفترض، في الواقع، أن جميع الشركات الكبيرة ستضطر إلى ذلك. ربما، اليونيكورن الرئيسي اليوم هو Apple؛ فهي تقوم بالتوسع في منصتها واستخدام التصميم وسيلةً لاحتلال أسواق جديدة (كما تستخدم شبكة توزيع للحصول على عائدات). تدخل Apple إلى قطاعات السوق الموجودة واحداً تلو الآخر وتضيف كل مرة مليارات الدولارات إلى قيمتها السوقية. نحن متأكدون أن Apple ستصبح أول شركة قيمتها تريليون دولار، أي يونيكورناً حقيقياً.